محاورات نسائية من تراث البادية:
إطلعت على بعض المحاورات في كتاب (( شاعرات من البادية )) للمؤلف عبدالله بن ردّاس ،الذي قام مشكورا بجمع نوارد الشعر النسائي و قد ألفه في جزئين ، أتمنى من كل مهتم في الشعر النبطي أن يضمنه مكتبته بعد الإطلاع عليه لما فيه من نوادر الشعر و القصيد النسائي في الجزيرة العربية .. هذا ما أخترته لكم :
الحوار الأول :
بين الشقيقتين (( بنّا و مويضي البرازية )) .. تبتدأ " بنّا " بالفخر بزوجها و لمز أختها من خلال الإشارة إلى زوجها بأنه من الرجال الضعفاء الرديين وأنه ليس كزوجها من شجعان الرجال الفرسان فتقول :
شوقي غلب شوقك .. على هبة الريح ~ و محصل(ن) فخر الكـرم و الشجاعة
ركاب شوقي .... كل يوم(ن) مشاويح ~ وإذا لفى ........ صكّوا عليه الجماعة
يا البيض شومن ... للرجـــــال المفاليح ~ ولا تقربن .. راعي الردا و الخناعة
فردت عليها مويضي .. و كانت مشهورة بحدة اللسان .. مبين لها اسباب إختيارها لهذا النوع من الأزواج:
ماهوب خافيني الرجال الشجاعة ~ أنا ودي بهم ....... مير المنـاعير صلفين
أريد مندّس ...... بوسط الجماعة ~ يرعى غنمهم .... و البهم .... و البعارين
إذا نزرته ...... راح قلبه رعاعة ~ يقول .... يا هـافـي الحشا .... ويش تبغين
وإن قلت له هات الحطب قال طاعة ~ و عجل(ن) يجيب القدر هو و المواعين
لو أضربه..... مشتدةٍ في كراعه ~ ولاهوب شــاكــيني ...... ولا الناس دارين
و معلوم عند بعض العرب أن ضعاف الشخصية من الرجال يسمّون ب " رجال مويضي ".
الحوار الثاني :
حوار جرى بين شقيقتين ( جوزة و سمرا .. بنات محمد القنيني ) من أهل بادية بني عبدالله المهد ثم إنتقلن للسكن في مدينة جدة .. جاش حنين البادية في" جوزة " فتمثلت قائلة الأبيات التالية :
يا بوي ..وا وجدي على الصبح مطلاع ~ وجد الطوايا أللي على الما حيامي
داجن ..و راجن ..ثم راحن مع القـاع ~ ما قدمهن.. غير الدرك و المظامي
فأجابتها سمرا :
يا بنت حطي . .فوق شاهيك نعناع ~ كبي البداوة .. و البلش ..و الزيامي
ترى البداوة .. ما تجي لك بالأسناع ~ عسرة ..... ولا تبني لأهلها سنامي
رحتي تجيبين الحطب ..و البهم ضاع ~ واليا الحمير .... إملاوذة بالظلامي
وإليا رجعتي للعرب .. عقب مفزاع ~ وأليا ضيوفك ... مشتهين الطعامي
الحوار الثالث :
جرت هذه المحاورة ( أو الأبيات و الإستدراك إذا جاز القول ) أثناء إنتقاد زوجة بن هذّال شيخ العمارات من عنزة أو " شيخ الشيوخ " ، فقد حدث أن عابت زوجة إبن هذّال عليه بعد ما رأت أسنانه صفراء ووجدت منه أنفاسا خبيثة جراء تدخينه للسبيل ( الغليون ) فقالت منتقدة :
يا شارب الدخّان .. شاربك لا طال ~ إياك .. وأيا واحد(ن) جاز دونه
ما دام به نقص على الحال و المال ~ أيضا... و شرّابه يدمر سنونه
فغضب إبن هذال و يقال أنه إستل خنجرا كان يتمنطق به ليذبحها .. فلما رأت نصل خنجره سارعت وإستدركت قولها بالبيتين التاليين :
شرّابة التنباك فيهم سعة بال ~ وإللي طويل(ن) شاربه .. يقصرونه
يستاهـل التنباك مثل بن هذّال ~ أللي يصره ......... في مثاني ردونه
-----------------------------------------------
معاني بعض من الكلمات التي وردت في الأبيات :شوقي: منيتي / مشاويح: الخيل الأصيلة / لفى: رجع بعد غياب/ صكّوا: أي تحلقوا حوله / شومن: أي ابدين الشيمة (حسن الأخلاق ) / المفاليح: الرجال الذي فلحوا في عملهم / الردا: سوء الفعايل / الخناعة: الجبن أو الخوف.
مير: لكن / المناعير: أي الرجال الشجعان / صلفين: خشنين المعاملة / مندّس: متواري / البهم: البهائم / نزرته: أي نهرتة و شتمته بصوت عالي / رعاعة: أي إرتعد قلبه و زلزلت أركانه / يا هافي الحشا: أخمص البطن أو ممسوح البطن / كراعه: ساقه أو رجله بشكل عام.
وا وجدي : كلمة تقال للتمني / مطلاع : خروج ،مأخوذة من الطلوع / الطوايا: الأبل التي طواها العطش و الجوع / داجن: تردّن / راجن: إنتظرن /راحن مع القاع: أي مشين / الدرك: الطريق الوعرة / المظامي: العطش.
كبي البداوة: أي أتركي البداوة / البلش: التعب والأذى / الزيامي: الشد و الرحيل / الأسناع: إستقامة الأمور و صحتها / عسرة: عسيرة و مضنية / تبني لأهلها سنامي: لا تسمّن ولا تعدّل الحال / إملاوذة: متبعثرة و متفرقة / مفزاع: حركة دؤوبة و العمل بتعب .
لاطال: عسى ما يطول و يبقى قصيرا / إياك وايا : أيهما أفضل / جاز دونه: إمتنع عنه / يدمر: يتلف / التنباك: أي التبغ وهي كلمة محرفة عن كلمة " tobacco " / سعة بال: صبر و تروّي / يصرّه: يحتفظ به و يخفيه / مثاني: ثنايا...!!
__________________